مجلة أدبية * فنية * متنوعة * شعر فصحى* شعر عامي* قصة * ومضة* أجتماعية ثقافية * سياسية

السبت، 13 يوليو 2019

نقد قصيدة الدكتورة مها نصر من قبل د. حسن محمود سراج

كل الشكر والتقدير لإدارة جامعتنا الموقرة ونقادنا اساتذة الادب والشعر واللغة. وشكر خاص للأديب الراقي الدكتور حسن السراج. على هذا الشرح المفصل والحيادي لقصيدتي. وموصول الشكر. لرئاسة الجامعة ممثلة بالدكتورة هدى عبد المعطي وعميد الجامعة الأديب طلال حداد على الطباعة والنشر.    

بسم الله الرحمن الرحيم 
تتقدم إدارة التحرير للجريدة الورقية 
بتقديم طباعة ونشر نقد قصيدة الدكتورة مها نص
Maha Nasser
من قبل الأستاذ الدكتور الناقد حسن محمود سراج
مع تحياتي للمجهود الكبير الذي أقامه 
رئيس الجامعة وعميدها أ.طلال حداد
رئيس الهيئة الأدارية أ. هدى عبدالمعطي محمود 
***************************************
جماليات النص ودلالة البناء التركيبي ،وخصائصه الفنية ،حول قصيدة"أنا والطبيعة"للشاعرة د.مها نصر 
بقلم: د.حسن محمود سراج
انا والطبيعة.    
ضحك الربيع فهام في أحضانه.
شادي طيور الروض من ندمانه..
غنى فصفقت الغصون على الربى
وتخايل الوادي على غدرانه..
وشدا بألحان المساء .. مردداً
شدو الهزار على ذرا أفنانه...
فاختال من أحلامه في موكب..
ويعيش زهو الورد في نيسانه..
ومشى على اﻷفق الرحيب وصحوه
متألقا كالنجم في لمعانه...
فيخال لحن الطير بعض نشيده..
ويرى هدير الموج من طغيانه..
 ويظن أن البرق من عزمٍ له
ويعد قصف الرعد من ثورانه..
وإذا تصوع نشر كل خميلة..
في الروض يحسبه شذى اردانه..
فتحس أسرار النعيم بشدوه...
حيناً وآونة صدى حرمانه..
همس النسيم باذنه مترفقا...
فاهتاجت الذكرى إلى أوطانه...
الحب ماهتفت به انغامه...
والحسن ماينشره سحر بيانه..
ويكاد يصدع بالنبوءة معلناً. ..
لكنه بالوحي من شيطانه...
اخذ الخيال به فعربد ساخراً...
من دهره القاسي ومن حدثانه...
في كل يوم من فرائد شعره...
صور كطيف الشمس في ألوانه..
فإذا تغنى فالطبيعة محفل....
يصفى لما قد رق من ألحانه...
والنهر يمرح والجداول صفقت...
والكرم معروشا على سيقانه....
وخمائل الزيتون تنشر ظلها...
فوق الربى والورد في اغصانه...
والناس تصغى ﻹستماع نشيده...
والطير كل الطير من آذانه....
قلب يفيض على الجوانح رقة...
كالجدول الحاني على شطآنه...
يزهو ويبسم في اﻷصيل وفي الضحى
زهو الربيع الطلق في ريعانه
وارى سجل الكون نفثة شاعرة...
قذفت بها اﻷنفاس من بركانه...

الطبيعة لها مذاق النحل في نفوس الشعراء،ولكن الكثير منهم كان يقف على ألوانها الزاهية،ومفاتنها الحسية،والقليل منهم من ارتبط بالطبيعة ارتباطا شعوريا،وامتزجت مشاعره بمشاعرها،وتفاعل معها بأحاسيسه ووجدانه،وعانقها عناقا روحيا،ولاسيما شعراء المهجر،الذين يرون كل ما في الطبيعة صورا حية نابضة،ولذلك يناجونها ويبثونها وجدانهم وأحاسيسهم،وآمالهم وآلامهم،وهي كذلك توحي إليهم بترانيم الحنين،إذ تذكرهم بجمال وسحر طبيعة بلادهم،كما توحي إليهم بلذيذ الخيال المحلق في اللامنتهى.

ولقدشدّت الطبيعة الشاعرة(مها نصر)،وتمثلت في خاطرها،حتى كدت أعدها في مصاف الشعراء الرومانسيين،الذين أحبوا الطبيعة،وهاموا بها،وعدوها نهر الشعر الخالد،ومصدر الحياة الصحيحة.

ولقد استوقفني من شعر مها نصر ،في الطبيعة،قصيدتها الرائعة "أنا والطبيعة"،التي رسمت خلالها مشهدا حيا ،صورت عبره،"الربيع" وقدأضفى على الطبيعة البهجة والسرور،وحولها من دمية صامتة،ليس فيها حس،إلىحياة غريدة هازجة،خلال تشخيص لافت،يتخطى ماوراءالمشاهد المنظورة من الوجود،إلى الوجود المعنوي المعتمد على يقظة الروح،والتجاوب الوجداني،والمشاركة الحسية.

والشاعرة -هنا- لايسعهاالإيجاز في الوصف،وإنما أطنبت ووسعت أبعاد الصورة،لتكون مشهدا ثريا،يمتع المتلقي،مثلما حقق المتعة الفنية للشاعرة.

ويجدر بنا أن نقف على جماليات النص ودلالة البناء التركيبي،وخصائصه الفنية.

قولها:
ضحك الربيع فهام في أحضانه
شادي طيور الروض من ندمانه
:
البناء ثري المعنى والتصوير،أما عن ثراء المعنى،فيكمن وراءظمأ الشاعرة ،للعودة إلى الوطن،والعلل بطبيعته الغناء،هذا الظمأ جعلها تسترجع بخيالها صورة الربيع،وعمله عمل السحر في طبيعة بلادها.
وأما ثراء التصوير،فإن الشاعرة من نقطة البدء،تعاملت مع المجردات على أنها كائن حي،لها ماللإنسان من أفعال وصفات.
فانظر إلى الربيع، في هذا البناء تراه ضاحكا،بثغر بسام آسر، قد هام به"شادي طيور الروض"،بل وصار من ندمائه،وذلك مرسوم بريشة الاستعارة المكنية.

ولعل سؤالا يعن - هنا-،هل نبعد إذا جعلنا" الربيع"رمزا شعريا،ومعادلا موضوعيا" للأمل" الذي أشرق في روح الشاعرة،وأنه مازال قائما،وأن طبيعتها الغناء التي استحالت إلى يباب وبلاقع،بفاعلية الحرب الدائرة،إنها حتما ستعودعلى ماكانت عليه من سحر وجمال،مهما طال الوقت أوقصر ؟.

هل نبعد إذا جعلنا " شادي الطيور" رمزا شعريا،ومعادلا موضوعيا،للشاعرة ذاتها ،وأن شدوها نابع عن هذا الأمل،بل وأنها متمسكة به،لايساورها شك،فهي صارت من ندماء هذا الأمل ؟.

لعلنا لانبعد،بل نكاد نجزم بذلك، أليس عنوان القصيدة الرائع" أنا والطبيعة" يسع هذا البعد الأخر في الإبداع الشعري المشع،فكأنما قالت: أنا والأمل؟.

ومن هذا المنطلق،نرى الشاعرة تسرح بخيالها ،الملتصق بالأرض والواقع،لتضفي على الربيع- هذا الرمز التعبيري- صورا ممتدة تجعل من الطبيعة صورة هازجة،حية لا فتة،عبر التصوير الفني.
تأمل قولها " غنى فصفقت الغصون" و" شدا بألحان المساء" و" مشى على الأفق" و" يختال"و يرى هدير الموج" و" يظن" و " يعد " و" إذ تضوع" .

إن هذه الصور الاستعارية الممتدة التي شكل نسيجها الفعل الماضي تارة، والفعل المضارع أخرى، من الدلالة بمكان، فإن دلالة الماضي تكشف عن أن الجمال أصل من معدن الطبيعة، وأنه خلق معها ،لايبرحها.
فإذ جاء فصل الربيع، ترى هذا الجمال- بدلالة المضارع- ماثلا رأي العين.

ولا ريب أن التنوع-هنا- بين الفعل الماضي والمضارع،ينهض بالتصوير الواقع في سياقه،وتعتمده الشاعرة أداة يخدم التشكيل الجمالي النابع من ذات الشاعرة،حتى تتجدد العلاقات،في هذا السياق ،وتثري الدلالات،وينمو البناء الشعري.

وانظر إلى هذا التصوير الواقع في هذا السياق الهازج بالأمل "صفقت الغصون" و" تخايل الوادي" و " شدو الهزار" و" متألقا كالنجم في لمعانه" .

ترى صورا فنية-عبر الاستعارة المكنية، تارة، والتشبيه أخرى, وكلها صور بعضها آخذ برقاب بعض، كاشفة عن روح صادحة بما تحس وتشعر. 
وقولها:
همس النسيم بأذنه مترفقا
فاهتاجت الذكرى إلى أوطانه

الحب ماهتفت به أنغامه 
والحسن ما ينشره سحر بيانه
.
ويكاد يصدع بالنبوءة معلنا 
لكنه بالوحي من شيطانه
.

تصوير حي لافت، الشاعرة خلاله تكشف عن حنيناها إلى الأوطان لتعمق المضمون القائم عليه الرمز الشعري من الأمل بالعودة إلى ديارها، وطبيعتها الغناء، فالحنين إلى الوطن -حتما- يستدعي الحنين إلى الأهل، إلى الطبيعة التي عشقتها في أوطانها.

والبناء -هنا- ملون بلون العاطفة التي تراها تشرق وتغيم. 
ولا ريب أن التركيبة الشرقية في أوج فرحها ونشوتها، يطرأ عليها طارئ من الحزن، مايجعلها تغيم وتغيم. 
وما أجمل التصوير الحي الممتد إلى آخر القصيدة، والذي يهدف إلى التلاحم الشديد بين الشاعرة والطبيعة والتي ألحت عليه الشاعرة، بقصد مشاركة وجدانية بين المبدع والمتلقي.

هذا التلاحم أحدثته الاستعارة المكنية "همس النسيم بإذنه"، ومن ثم، فإن كوامن الوجد تشتعل ويشتعل معها الحنين إلى الوطن عبر تصوير لا مواربة فيه، فالحب والحنين، إلى ديارها، تعلنهما صراحة وتشتمهما في كلماتها، وتسمع لحن القلب الحاني والشاجي من خلال شعرها الآني. 

وتبصر هذا الجمال، فإن الحب للوطن نراه رسولها إلى ديارها، ماثلا عبر شدوها بآمالها وآلامها. 

ولقد خففت الشاعرة من وطأة التصوير مستخدمة الفعل "يكاد"في بناء الصورة المشخصة لتقربها من الصحة والإمكان. 

وقولها: أخذ الخيال به فعربد ساخرا 
من دهره القاسي ومن حدثانه

إلى ختام القصيدة 
فإني أرى مسحة الحزن تتقطر من كلمتها، رغم امتداد التصوير وتلاحمها تلاحما عضويا بالطبيعة. 

فأنت ترى عبر التصوير "الخيال معربد ساخر" و"الدهر قاس"، والخيال يدفع بصور شادية شاجية، "كطيف الشمس"، وشعرها من أتون الحزن الكامن في الأعماق "قذفت به الأنفاس من بركانه. 

في الختام أقول:
- أما عن خيال الشاعرة، فقد أحدث المكون السمعي تأثيرا حيا في بناء التصوير، مما يجعلنا نقول: 
إنه خيال وليد عالم مشاهد مسموع عايشته الشاعرة، وهي مازالت في ربوع بلادها، وهو كذلك خيال يتسم بالجدة والتصوير. 

- وأما عن دور الكلمة في هذا البناء الشعري، فقد لاءمت الحديث المصور، حيث اتسمت بالسهولة والرقة ولم تكن الشاعرة بدعا في ذلك، فالشعراء عندما يتحدثون عن مشاعرهم الوجدانية والذاتية فإن المتلقي يجد ألفاظهم تموج رقة وعذوبة ورشاقة، لأنهم يعبرون عن مكنون النفس ولواعج الفؤاد، دون تكلف في الحس أو افتعال في التصوير. 

- لاريب أن حرف الطف "الواو" في هذا النسيج ظهر بشكل لافت، إذ أن الشاعرة كانت حريصة على إتمام صورتها الكلية، واستيفاء جوانبها، فعمدت إلى الوصل بين الجمل، كاشفة عن خيال كلاسيكي مشدود بالواقع الموضوعي الماثل.

- ظهرت ألوان بديعية من خلال الإيقاع الداخلي، والتشكيل الصوتي، داخل الوزن العام في نسيج القصيدة، يكسب أصداء متناسقة تحدث موسيقية ونغما يعاونان على أداء المعنى ودعمه، ويجعل المتلقي يقف على ذاتية المبدع. 

فانظر إلى التصريع في مطلع القصيدة بين "أحضانه وندمانه.

و الترديد وتعلق كل لفظة بمعنى آخر "شدا، وشدو" و"يزهو، زهو".
والتناغم الصوتي بين " الهزار، ذرا"
والطباق بين "النعيم ،الحرمان" .

فما من شك أن تضافر الألوان في رسم الصورة الكلية، أكسب النسيج الفني جدة،وعاون على تحقيق المتعة الفنية.

د. حسن محمود سراج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق