مجلة أدبية * فنية * متنوعة * شعر فصحى* شعر عامي* قصة * ومضة* أجتماعية ثقافية * سياسية

الأربعاء، 10 أبريل 2019

الكاتب/ عمر بنحيدي

قصة قصيرة :
انتقام
التقت ( سعاد) بزميلتيها في المهنة،هنا .في هذا المستشفى الكبير،بعد ان تعارفن  و توثقت بينهن العلاقة وحدن جهودهن لهدف واحد،وهو نشر البسمة على الوجوه وإدخال السعادة  في القلوب.
تبلغ سعاد ستا وعشرين ربيعا.وقصتها كما حكتها لزميلتيها:
  « تركت كل شيء ورائي .تخليت عن أعز أحبابي ،عن أمي وابي وعن إخوتي ،لأندب نفسي للعمل الإنساني.....ههه.» قاطعتها زميلتها ( أمينة)  وهي أكبر منها بعامين :
  ‏ « أنا ايضا ،تسللت ليلا  لما كان الجميع نائما . وكان صديقي ينتظرني قرب المحطة. أتخيل الآن لما استيقظوا ولم يجدوا أبنتهم ( أمينة )  الوديعة في فراشها ولا في نواحي البيت .لا شك ان أبي قد صرخ في وجه امي : انت السبب أنت من دللها  زيادة عن اللزوم.....ولا تجد امي الحنون بما ترد سوى البكاء ،اما أخي فإنه سيفرح، لاني أحظى برعاية الاسرة  وهو الآن مركز الكون .»حاولت ان تكمل لكن العبرات خنقتها فتوقفت لتأخذ انفاسها ..
  ‏تدخلت  زميلتهما الثالثة  واسمها ( رهام ) وهي الصغرى من بينهن :
  ‏ « يا سبحان الله نفس البداية اعتقد. إلا اني لم اندم ابدا على ترك من كان يعتبر  زوجي ،وهو في الحقيقة جلادي،كل صباح لا يغادر البيت قبل ان ينال مني وطره رغما عني ، مدة وانا اتحمل. ولكن للصبر حدود فقد كنت مريضة ،.كم مرة طلبت منه أخذي للطبيب ولكنه كان دوما يرفض.فاضطررت لترك ذاك البيت مخلفة  فيه أجمل ذكرياتي مع شخص ،كنت اعشقه ولكنه تغير وصار غولا ،لايهمه اي شئ آخر غير نهش جسدي،و كاني آلة ،لا يجوز ان أرفض أيا من طلباته  و إلا فإنه يشتعل. كعود ثقاب يحرق كل من يقترب منه ...»
  ‏واصلت ( سعاد)  من جديد بعدما مسحت عينيها :« لماذا تضحكن ؟ نشر الابتسامة والفرح هو عمل إنساني . كنت طيبة جدا إلى حد السذاجة ،كل من قال لي  ( أحبك) اصدقه ويجعلني ابات الليل اناجي طيفه ،ظننت الناس كلهم مثلي ،ولم اكن اعرف ان هناك ذئاب بشرية ،تستعد  دوما للقفز فوق الفريسة .وهكذا تعرفت على ( عادل)  وهوشاب وسيم ،أحلى لحظاتي معه حين يمسك يدي، أشعر آنذاك بالدفء وبكهرباء تسري في عروقي.كنا نلتقي بشكل شبه يومي في  احدى  المقاهي وكان يحكي لي عن مغامراته،وخاصة مع الشقراوات اللائي يأتين للسياحة بمختلف انواعها.حيث يقضي ليالي حمراء معهن ،وانهن حين يفترقن  عنه يبكين ويعطينه مبالغ مالية ...»
   ‏:« مبالغ مالية! قاطعتها ( أمينة ) وهبت واقفة لتتمشى بخيلاء ، رافعة كم قميصها الشفاف،ليظهر ساعد غض بلون الحليب ،لكن به أثر لندوب ما،ثم واصلت:« أنظري  وحاولي ان تعدي كم ثقبا بالوريد،؟ كنا نشتري حقنة هيروين بثمن باهظ . وكنت انا البنت الوحيدة وسط مجموعة من الذكور. كم شجارا وقع بينهم بسببي،.وكي اجعل الجميع قريبا مني ،صرت انا الزعيمة،ومن لم يطع أوامري ،فإني أحرض عليه أصدقاءه ،فيلقونه ارضا امامي ،ويقبل حذائي لأعفو عنه .   كان مزودنا بالهيرويين رجلا يتخفى في لباس إمراة منقبة ...»
  ‏  توقفت قليلا لتبلل حنجرتها فأخذت  الكلمة ( رهام )  :« كنت أحدثكن عن زوجي، فقد تركته وتوجهت نحو المجهول . عدت إلى بيت أهلي وحكيت لهم مايقع لكن الجميع أستهجن تصرفي .في رأيهم المراة يجب ان تكون في خدمة زوجها ،طائعة أوامره.وذات صباح أعادتني امي إلى البيت كما تعاد شاة تخلفت عن القطيع إلى الحظيرة. وكانت هذه  هي النقطة التي افاضت الكأس،. فقد تعرضت لانتقام وحشي من زوجي. عرفت فيما بعد انه يتناول الحبوب الزرقاء ليتبث فحولته وليخضعني لنزواته ....»
  ‏كفكفت (سعاد ) دموعها وواصلت حكايتها:« كنا نقضي اليوم في منزل احد أصدقائه ،وهبته نفسي لأني وثقت في وعوده .وبعد بضعة شهور  إختفى .علمت من أحد جيرانه انه يرقد بالمشفى. وجدته مسجى ووجهه شاحب وهو خائر القوة. ما إن ولجت الغرفة حتى نطت من عينيه الدهشة .لما سألته عن مرضه ،مانوعه؟ خطورته ؟ كان يجيبني  وهو يكذب ،إذ لم يجرؤ ولو مرة واحدة على رفع صوته او النظر في عيني ... لكن الجواب سيتسلل إلى كياني ،و انا في قاعة الانتظار،"إنه مصاب بذاك المرض الخبيث،" قالت إحدى المثرثرات بقاعة الانتظار،لكن محاورتها صححت لها :" إنه ليس السرطان ،لا إنه ذاك المرض المسمى بالسيدا." أسم المرض قنبلة فجرتني  وسقطت مغشيا علي. و كانت صدمة كبيرة لي ، لما أخبرني الطبيب بانه أجريت  لي تحليلات الدم وأنه  من المؤكد  اني أحمل الفيروس القاتل ..»  
   ‏انحنت عليها  ( امينة ) تواسيها:« ما فائدة البكاء الآن ؟  المهم هو انك تخلصت من ذلك المخادع .
    ‏اما انا فقدأصبت بفعل الإبرة المشتركة بين المجموعة .كنا جهلة ،وعنيدين. نعتقد ان أسرنا تناصبنا العداء ،وان الحرية المطلقة هي الحل ولكننا إنصدمنا بالواقع.
  ‏ لما اكتشفت امي أني مدمنة اقامت الدنيا ولم تقعدها .سجنتي بإحدى الغرف إلى ان عاد ابي من السفر .لما ولج علي الغرفة تبولت ،ونزفت .ولكنه هو لم يكن يرى او يسمع سوى نفسه،فتوسلاتي ذهبت سدى .فقد مزق الحزام الجلدي بشرة ظهري ،ومع ذلك لم يتوقف إلا لما أستسلمت وتركته. يضرب كما. يحلو له.
  ‏  قضيت يوما تقريبا وانا مرمية كأي شيء في تلك الغرفة الموبوءة ،ولما استعدت وعيي  وجدتني  شاحبة ،هزيلة،رافضة القوت راجية من الله التعجيل بالموت .
رق قلب امي فحملتني إلى المشفى  الخاص و يا ليتها لم تفعل ، وهناك سنكتشف جميعا أني حاملة للفيروس.» وكشفت ظهرها لهما ليتأكدا من صدق كلامها،فوجداه لوحة سريالية مرسومة بيد جلاد  :« يمكن وصفه بكلمة واحدة : أب أجوف أي بلا قلب ، واصلت  (أمينة ) .
  ‏تدخلت زميلتها ( رهام ) لتكمل قصتها:« أزدادت شراسة زوجي ،وهي في الحقيقة غير مبررة، لكني سأعلم فيما بعد أن سبب شقائه إمراة ،لهذا  فهو ينتقم منها من خلال إدلالي  انا ،عرفت هذا منه شخصيا ، لما كان طريح الفراش.
    طلب مني الطبيب إجراء فحص للتاكد من اني غير مصابة بالأيدز . لكن ويا للأسف كانت التحاليل إيجابية، ولاحظت نظرات الشماتة في من كنت للتو أتقاسم معه معاناته . أحسست حينها بأني خدعت مرتين  ،الأولى في الزواج منه  فقد كتم عني سر  إصابته والثانية أني استأمنته على روحي بينما هو تعبان ارقط ...»
    واستخلصت سعاد ماتراه مناسبا لحوارهن :« بما اننا أقصينا من اسرنا واعتبرنا ملعونات بسبب مرض لسنا مسؤولات عن إصابتنا به.،فواجب علينا رد اعتبارنا  والانتقام من الرجال وجعلهم يصابون بنفس مصابنا.»
  ‏استحسنت صديقتاها الفكرة وتوافقن على تسمية ما سيقمن به خيرا لأنهن سيوزعن البسمة والسعادة على هؤلاء الذين يفتقدونها .
  وهكذا يرشين حارس المشفى ،حيث يعالجن ،ويقضين الليل مع عشاق الرذيلة، وقبيل الصباح يعدن منهكات من غزواتهن القاتلة.
انتهت .
عمر بنحيدي 9/4/2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق